وفي خصوص الحدث يعلم الأمريكان أن الذي عاداهم وعادوه، ونبذ إليهم ونبذوا إليه هو (تنظيم القاعدة) أو بالأصح (جبهة جهاد الصليبيين) بأعيانهم وخصوصهم، وأن بقية المسلمين لا يأخذون هذا الحكم ولا يدخلون فيه، فحين تحذر أمريكا رعاياها منهم -لا من كل المسلمين- فإنها تعمل بمقتضى العداوة والمنابذة القائمة، وحين اعترف كلنتون بأنه أمر بقتل هؤلاء عن علم وعمد في الهجوم الصاروخي السابق فإن معنى ذلك أن من حق الطرف الآخر أن يفعل المثل، وقد تضرر الملايين في السودان وأفغانستان بسبب قلة الدواء وفرض الحصار غير من مات أثناء الهجوم، وعلى هذا فلا عهود ولا مواثيق بين الطرفين. فقد سقط إذن الحاجز الشرعي عن الانتقام، ولم يبق من حكم شرعي يُرَاعَى في هذه الحالة إلا حكم المعاقبة بالمثل وترك التجاوز في الاعتداء فهنا يقال :-
هل فِعْلُ هؤلاء بـأمريكا - إذا ثبت - تَجَاوَزَ ما صنعت أمريكا بالمسلمين في كل مكان؟
ندع الإجابة للقراء ونقول : إن قول الله تعالى: ((فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ))[البقرة:194] قد لا يلزم منه تساوي العدد في القتلى أو المال فهذا أمر لا ينضبط في كل حال، وإنما المقصود مقابلة الفعل بالفعل : القتل بالقتل، والأسر بالأسر، والتخريب بالتخريب.
أما أنه لا يجوز لهذه الفئة ولا لأي فئة أن تجلب على الأمة عداوة لا قِبَلَ لها بها وتجرها إلى معركة غير متكافئة لم تستعد لها الأمة ولم تتوقعها، فهذا ما نرفع به الصوت ولا نخافت، لكن إذا أبت تلك الفئة إلا الاستبداد بالرأي وفعلت ما عنّ لها بلا مشورة ولا مراعاة مصلحة، فإننا حينئذٍ سنكون نحن الأبرياء ونحن الضحايا لانتقام العدو الغاشم، وهذا ما سيقع للأفغان وغيرهم، فهم الأبرياء وليس من سقط من العدو!!
وليس الحل أن نقف مع العدو عليها، فهذا حرام في كل حال، ولكنه في التحاور معها في قضايا المصالح والمفاسد، وبيان أخطائها ولو أدى ذلك إلى هجرها والتنفير منها.
وعلى كل حال فذلك شأن داخلي بين المسلمين ولا يجوز إحالته إلى دوائر الكفر التي تتربص بالمسلمين -كلهم- الدوائر، وتوسيعه ليصبح حملة عالمية يكون بعض المسلمين مستخدمين فيها على بعض.